4 يناير 2011

غزة في ذكراها الثانية


لم يكن قرار الحرب ضد غزة في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008 قرارا صهيونيا فقط، ولم يكن يمثل رغبة جارفة لأطراف إقليمية عربية وفلسطينية فحسب، ولم يفاجئنا السيد جوليان اسانج عبر وثائقه التي نشرها على موقعه 'ويكيليكس' بالتواطؤ، بل والتآمر الذي مثلته أطراف فلسطينية ورسميات عربية قريبة وجارة لغزة، بل كان هذا الفهم مستقرا في الوجدان العربي الفطري لدوافع الرصاص المصبوب والدم المسفوح، والشرف المهدور والفسفور الأبيض الممزوج بالحقد الصهيوني الأسود .
حرب الفرقان كانت حربا عالمية تمثل رغبة ما يسمى بـ 'الكيان الدولي' في التخلص مما اعتبروه - ظلما وبهتانا وزورا- العقبة أمام السلام والأمن العالمي، إذا فالمشهد الجيوسياسي الذي شكله الأعداء المنتصرون بعد الحرب العالمية وبعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، وامتطت القبضة الأمريكية صهوة التحكم والسيطرة، وأسفرت عن وجه استعماري كريه وغطرسة فرعونية مقيتة، منطقها 'لا أريكم إلاّ ما أرى' و 'من لم يكن معي فهو ضدي' ذاك المشهد وفق المنطق الظالم المتحكم لم يكن ليسمح بنشوء كيانات ممانعة أو متمردة أو خارجة عن الإرادة الباطشة، وذنب المقاومة الفلسطينية التي حسمت خياراتها، وأنهت ادوار العملاء في غزة، أنها قبلت بالتحدي ورضيت أن تواجه المخرز 'الصهيو امريكي' بكف طاهرة نقية ونظيفة اخطأت حسابات الأعداء التقنية في استطلاع نتائج معركة غزة عندما أخضعتها لعاملين.
الأول: الحسابات المادية الصرفة أو ما يسمى بموازين القوة الهائلة ومخزونها من ثقافة الحقد والكراهية .
والثاني: ما جرت عليه العادة في حسم المعارك السابقة التي كانت تديرها الإدارة الصهيونية المدعومة أمريكيا وقبل أن تبدأ. 
وغاب عنهم أمران أيضا. 
الأول: أنهم أمام إرادة مختلفة عما ألفوه في حروبهم السابقة، والصراع في حقيقته حرب إرادات، (فما ينفع الخيل الكرام ولا القنا .... إذا لم يكن فوق الكرام كرام).
والثاني: هو القوة المستمدة من معية الله التي يستشعرها المؤمنون، 'ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون' ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. معركة الفرقان تعبير عن الرغبة الدفينة للعصابات المتحكمة بالقرار الدولي، باجتثاث الطائفة المتمسكة بحقها، والثائرة على من ظلمها، والقاهرة لعدوها، رغم انف المرجفين والمتخاذلين. 
وما أشبه يوم الفرقان بيوم الأحزاب 'إذ جاؤّكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا.
في معركة غزة زاغت أبصار وأفئدة وأهواء، وتاهت توجهات وضلّت حسابات . صمدت غزة بل وانتصرت، لا تحزني أيتها الحسناء، فقد غادر حلمك شفق المغيب، وأوشك أن يتنفس نسمات الفجر الجديد، لا عليك فقد آذن ليلك بالرحيل، ونجمهم في أفول، وشمسك لا تزول، ومع عسرك يسرا، وبعد الليل فجرا يقهر الأعداء قهرا.
هزم الأحزاب، وولوا الأدبار، 'وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين'
و'إن ربك لبالمرصاد'، 'ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا'.
يكفي أن نقرأ ما كتبوه عن فشلهم، إذ قالوا (إخفاق وثكلى) 'من دون جدوى أو فائدة، كان الفشل ذريعا، فضلا عن كونه فشلا أخلاقيا، فقد فشلت إسرائيل بعدم قدرتها على تحقيق أهدافها، فلم تنجز إلا مئات المقابر لأطفال صغار، وآلاف المعاقين ودمارا كبيرا وتشويه الصورة، وسوف يتضح ذلك بعد الانتهاء من أهازيج ونشوة الانتصار المزعوم'.
هيهات لمن ذاق طعم الحرية أن يرتد، فالورد بغير الشوك يفقد مجده، وكذلك غزة، ضعفها سينحسر، وقيدها سينكسر، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
من ذا الذي هدد بكسر القدم الفلسطينية؟ ومن الذي هدد بحز رؤوس المقاومة؟ ومن الذي حاصر غزة وسجن أحرارها؟
لقد بيع أكثر من مليون ونصف المليون عربي مسلم بثمن بخس دراهم معدودة لكيان الاحتلال الصهيوني.هكذا أصبحت بعض النظم العربية صغيرة، واصغر من أي عميل يأتمر بأمر العدو المحتل، عندما قرروا طعن أبطال المقاومة المنافحين عن شرف هذه الأمة في ظهورهم للحفاظ على أمن الاحتلال، الذي يمنح فترات الصلاحية لبقاء بعض الأنظمة في كراسيها .
يا ترى ماذا اخذوا ليسلموا غزة حبيسة جائعة؟ عطشى وقد أرهقها السهر، بلا كهرباء ولا تدفئة، قلقة على أطفالها الذين يفتقدون الدواء، يا ويحهم ماذا حل بهم؟ وما دهاهم؟ أليس منهم رجل رشيد؟ وحاكم حكيم؟ ثكلتهم أمهاتهم، ولا أب لهم .
ألا فليشهد التاريخ أن الأمة بريئة من هؤلاء، الذين يتحملون تبعات الأرواح التي زهقت، والدماء التي سفكت، والأشلاء التي مزقت، والبسمة التي سرقت، والأحلام التي صودرت، والفجر الذي تبدد على أيدي المتاجرين بأرواح الشهداء ودمائهم، 
لم تنحت الصورة الرهيبة الغائرة في الوجدان، والمستقرة في الأذهان من مشروعية النظم المتآمرة على الشعب الفلسطيني فحسب، بل تأذن بانتفاضة كبرى في وجه كل من استمرأ قهر الشعوب وكبتها وإذلالها، متناسين بركان العزة الذي آن أن ينفجر في وجوه من دأبوا على تأجيجه بصنائعهم الصبيانية الصغيرة. 
لم يعد الزمان مسرحا للعلو الصهيوني، والاستكبار الأمريكي، والأيام القادمة هي زمن التحرر والانفلات من الاستعباد والظلم، ومن لا يحسن القراءة، فليتنح جانبا، لان إرادة الشعوب قاهرة وقادمة، والعاقبة للمتقين، فلا نامت أعين الجبناء. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق