19 يناير 2011

لقد فرَ الجنرال


بقلم
النائب: فتحي القرعاوي
نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني

في أحد أيام ربيع عام 1980 كنا في رحلة كشفية مع طلبة الجامعة الأردنية إلى منطقة جرش كان معنا ضمن هذه الرحلة المرحوم بإذن الله فضيلة الدكتور الشيخ عبد الله عزام ، وكانت الجموع في هذه الرحلة قد انطلقت في مسيرة كشفية طويلة سيرا على الأقدام ، وفجأة أوقف الشيخ عبد الله عزام المسيرة ليعلق على احد المشاهد التي رآها، فقد رأى احد الطلاب المشاركين في المسيرة يحمل عصاَ وكل ما مر على نبته (خرفيش) ذالك النبات المعروف في بلادنا قام بتحطيمه وتكسيره، فعلق الشيخ قائلا (لقد رأيت فلان يفعل كذا وكذا بعصاه الصغيرة ،ووالله إن عروش الطغاة والظالمين في بلاد الإسلام لهي أهون على الله من عرق (الخرفيش )هذا الذي يتكسر بمجرد ضربه بعصا صغيرة كهذه .
وأخيرا فر الجنرال زين العابدين بن علي صاحب السطوة والهيل والهيلمان الذي ملأ ارض تونس خوفاً ورعباً وحولها إلى مقاطعات خاصة له ولذويه وأصهاره ومقربيه وأجهزته رافعا بذلك شعار فرعون الأول ( ما أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد )، ورغم أن الأمر في تونس لا زال محفوفا بالمخاطر رغم فرار بن علي بحاجة إلى التريث وعدم التسرع حتى يتم اقتلاع آثار تلك المرحلة البائسة من جذورها فعشرات آلاف التونسيين لا زالوا في المنافي بين باريس ولندن واسبانيا فراراً من بطش هذا الطاغوت ومثلهم من الآلاف المؤلفة من جيوش العاطلين عن العمل لا زالت تجوب شوارع تونس لا تلوي على شيء ولا تجد من يغيثها . لقد أعلن بن علي الحرب على الفضيلة وعلى الدين فلا يسمح من شعائر الدين إلا ما يراه هذا الطاغوت مقبولا لديه لقد تعددت الأجهزة المدعومة بالقوانين الجائرة على تراث الأمة فالحجاب الشرعي ممنوع إلا من خلال شروط معينه وتعدد الزوجات جريمة يعاقب عليها القانون وتتكفل الأجهزة الأمنية بقمع مرتكبها في حين إن عدد الخليلات لا يتعارض مع القانون . إن اقتلاع طاغية بمثل حجم بن علي يعد انجازا عظيما ما كان ليأتي لولا هذه الجرأة ثم وحدة الشارع التي تجلى بها الشعب التونسي ثم الوفاء للدماء الزكية التي سالت.
إن ما جرى في تونس إنما هو رسالة واضحة المعالم وذات مغزى كبير إلى كل الذين يشككون في قدرة الشعوب على التغيير والى الذين يسقطون معادلة الشعوب من حسابهم ظانين أنهم ( مانعتهم أجهزتهم وعتادهم من الله) لقد ظن هؤلاء أنهم في مأمن وان أمريكيا وفرنسا وربما الغرب كله وإسرائيل سيتحركون لحمايتهم من بطش شعوبهم فخاب املهم . 
إن ما جرى في تونس من قدرة الشعوب على التغير في زمن قياسي لا يتعدى الأيام القليلة يرسل رسالة واضحة إلى كل ذي لب آن يراجع حساباته وان الشعوب قد نفذ صبرها وما عادت تحتمل ولا بد لها آن تنفث هذا الغضب في يوم من الأيام وليشرب الظلمة الذين راهنو على نصرة دول الخارج لهم من نفس الكأس الذي أسقوا منه شعوبهم لقد قالت كونديليزا رايس بعد الانتخابات الفلسطينية :لم أكن أتوقع أن تكون الشعوب تكره قيادتها إلى هذه الدرجة .لقد تركت فرنسا مستعمرتها السابقة في حالة من الغليان ولم تصنع لها شيء لا في الجانب الاقتصادي ولا السياسي لقد بقيت طائرة بن علي تحوم لساعات في الأجواء الفرنسية دون أن يسمح لها أن تهبط في مطار باريس أو أن ينزل على الأرض الفرنسية حتى للاستراحة ألا ..فليقرا الطواغيت هذه الرسالة جيدا ذلك أن الذين يخونون شعوبهم ويقتلونهم في الشوارع فلا خير فيهم لأحد.
إن على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب والذي ساند الظلم والطغيان وساهم في مأساة الشعب الفلسطيني وسرق انجازاته ومنعه من تحقيق رغباته في الإصلاح والتغير أن يصحح الأخطاء بل والجرائم التي اقترفها بحق الشعب الفلسطيني وذلك برفع الحصار عنه وإعطائه حقه في ممارسة الديمقراطية التي اختارها عندما انتخب حركة حماس التي فازت بأكبر عدد من الأصوات . إن استقدام شركة (وايتووتر)رسالة واضحة للشعب الفلسطيني أن الإدارة الأمريكية مصرة على اخطائها بل وجرائمها بحقه .إن تصدع ثقافة الخوف في جدار صمت الشعوب الطويل مؤذن بفجر جديد لحرية شعوب المنطقة العربية ولقد كتب الأستاذ فهمي هويدي مقالا بداية هذا الشهر تحت عنوان( تونس تحذركم) حيث يقول( إن ما حدث في تونس لا يهمنا فقط لأنه حاصل في قطر عربي شقيق يحزننا أي بلاء ينزل به ، ولكنه يعنينا أيضا انه يبعث إلى عناوين عربية عدة برسائل ينبغي آن تقرأ بعناية خلاصة الرسالة : أن الاستبداد إذا كان أريد به حماية أي نظام فانه قد يطيل من عمره لكنه لا يضمن له البقاء والاستمرار مهما طال أجله ) ولذلك كان عنوان مقال للسيد عبد الباري عطوان (انتفاضة كرامة لا انتفاضة خبز) فكرامة شعوب المنطقة ما كانت مهانة كما هي اليوم .
إن اخطر ما تمر به الدكتاتوريات في شرقنا العربي فهي برغم أنها مهتزة ومهترءة ومكشوفة، فالخطورة تكمن أنها تهرب من شعوبها إلى الحضن الإسرائيلي والأمريكي .
إن الإرهاصات كلها تشير إلى أن عهد الشعوب قد بدأ وأن المنطقة العربية كلها مقبله على مرحلة جديدة ولذلك آن الأوان للأنظمة والقيادات خاصة التي آذت شعوبها وولغت في دمائها وسلطت على هذه الشعوب أجهزتها تجلد ظهورهم في الصباح والمساء وتلاحق أنفاسهم وتسرق اللقمة من بين أيديهم أن تسرع إلى الرحيل فقد باتوا مكشوفين فالشعوب تتوثب وتتهيأ لمرحلة أخرى بعد مرحلة تونس ،إن ما جرى في تونس مثال حي لا زال ماثلاً للعيان رغم قلة حيلة الشعوب فهل يعتبر المعتبرون ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق