17 يونيو 2011

التطبيع التونسي - الإسرائيلي يعود إلى الخمسينات


وقف وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم أمام عدسات المصورين مستهلا مؤتمرا صحفيا عقده أخيرا في الأمم المتحدة بعد الاجتماع مع نظيره التونسي عبد الوهاب عبد الله متباهيا بكونهما يتحدران من بلد واحد. فشالوم المولود في مدينة قابس التونسية كان يرتبط أيضا بعلاقات صداقة متينة مع الوزير السابق حبيب بن يحيى المتحدر من بلدة المطوية التي لا تبعد عن قابس سوى عشرة كيلومترات
. إلا أن خيوط الصداقة الشخصية لم تمتد خارج شبكة العلاقات الظاهرة والخفية بين الحكومتين والتي انطلقت منذ بواكير الخمسينات
عندما دشن الحبيب بورقيبة وهادي نويرة ومحمد مصمودي وقياديون آخرون في الحزب الحر الدستوري الجديد اتصالات مع الدولة العبرية من خلال سفرائها في باريس. وحاول التونسيون إقناع اسرائيل والحركة الصهيونية بدعم معركتهم من أجل الإستقلال، إلا أن الإسرائيليين كانوا يدركون أن مصالحهم مع فرنسا لا يمكن التضحية بها من أجل كسب ود الحكام المقبلين في تونس.
وما أن اندلعت الخلافات بين عبد الناصر وبورقيبة حتى سارع الثاني إلى الكشف عن الحوار الذي كان يقيمه مع المؤتمر اليهودي العالمي بزعامة ناحوم غولدمان، وباشر حملة سياسية وإعلامية واسعة شملت جولة على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية في السنة 1965 من أجل دعوة العرب للإعتراف باسرائيل وقبول تسوية تستند على القرار الأممي 194 الخاص بتقسيم فلسطين التاريخية.
إلا أن بورقيبة لم يستطع الخروج عن الإجماع العربي والتزم قرارات القمم التي حظرت الإعتراف بالدولة العبرية، وبخاصة بعدما قرر العرب نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس في أعقاب زيارة الرئيس انور السادات الشهيرة للقدس. أكثر من ذلك وجدت تونس نفسها في خط المواجهة بعد انتقال مقرات القيادة الفلسطينية إليها اعتبارا من سنة 1982، ولم يتوان الإسرائيليون عن شن غارة على تلك المقرات في ضاحية حمام الشط مطلع تشرين الثاني (أكتوبر) 1985 قادها رئيس الأركان الجنرال ايهود باراك شخصيا من الجو، ما أسفر عن استشهاد عشرات التونسيين والفلسطينيين. وأصدر مجلس الأمن للمرة الأولى في تاريخه قرارا بإدانة الغارة الاسرائيلية وطلب دفع تعويضات لتونس، لكن القرار لم يُنفذ حتى اليوم.
ومع خروج القيادة الفلسطينية من البلد في أعقاب التوقيع على اتفاقات أوسلو وانطلاق قطار التطبيع العربي مع الدولة العبرية اجتمع الوزير بن يحيى مع نظيره الإسرائيلي ايهود باراك سنة 1995 في برشلونة ووقعا اتفاقاً لإقامة علاقات ديبلوماسية وافتتاح مكتبين تمثيليين في تونس وتل أبيب. وفتح الإتفاق الطريق للقاءات دورية بين الوزراء وإقامة مبادلات سياحية وتجارية ما انفكت تتكثف في السنوات الأخيرة. وتُعتبر الزيارة السنوية لآلاف اليهود الإسرائيليين إلى كنيس الغريبة في جزيرة جربة (500 كيلومتر جنوب العاصمة تونس) والذي يعتبر أقدم معلم يهودي خارج فلسطين، من أبرز ثمار التطبيع التونسي - الإسرائيلي.
وتستمر طقوس الزيارة التي تتم في الحارة الكبيرة، الحي اليهودي الرئيسي في الجزيرة، يومين تقام خلالهما شعائر دينية وولائم وحفلات ويحضرها عادة رجال دين إسرائيليون ونواب في الكنيست ووزراء سابقون ووفود إعلامية ويرعاها من الجانب التونسي وزير السياحة الذي يلقي كلمة باسم الرئيس زين العابدين بن علي في المناسبة. وفي الصيف أتت أعداد كبيرة من السياح الإسرائيليين لتمضية الإجازات في جربة وأقيمت لهم جولات سياحية في مناطق الجنوب وسط رقابة أمنية مشددة.
لكن مع أن العلاقات التجارية والأكاديمية تطورت في نسق سريع خلال السنوات العشر الماضية قرر التونسيون إقفال مكتبهم في تل أبيب في أعقاب اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 استجابة لقرارات القمة العربية. وعبر مسئولون إسرائيليون عدة عن رغبة حكومتهم بمعاودة تنشيط العلاقات الثنائية مع تونس إلى وجهت الحكومة التونسية دعوة رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لحضور افتتاح قمة مجتمع المعلومات التي تقام في الخريف المقبل ما أثار ردود فعل قوية في أوساط مختلفة وبخاصة النقابات العمالية المحامين وأحزاب المعارضة. والأرجح أن واشنطن نصحت شارون بعدم تلبية الدعوة مخافة أن تؤدي زيارته الى تسميم الوضع الداخلي أيام قمة المعلومات فكلف وزيري الخارجية والاتصالات قيادة الوفد الإسرائيلي إلى القمة.
وستشكل زيارة شالوم إلى تونس الشهر المقبل والذي سيكون مرفوقا بوالدته التي تلقت دعوة خاصة من الحكومة التونسية، نقلة نوعية في مسار التطبيع يُرجح أن تؤدي إلى توسعة العلاقات في مجالات مختلفة طبقا لما أكده رئيس الطائفة اليهودية عضو مجلس المستشارين التونسي روجي بيسموث، إلا أن شالوم أعلن سلفا أن التونسيين اعتذروا عن عدم استئناف العلاقات الدبلوماسية في الأمد المنظور بسبب المعارضة الشديدة التي تلقاها خطوات التطبيع لدى الرأي العام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق